الأربعاء، 14 يناير 2015

قصة نجاح امبراطورية امستراد المثيرة !!

سوف نتحدث في هذه التدوينة عن صاحب امبراطورية امستراد
إنه آلان مايكل شوجر، الانجليزي الأصل، اليهودي الديانة، مواليد مارس 1947 ورابع أخوته، لأب عمل ترزي ملابس وكان ميلاده في شرق العاصمة لندن، وكانت أسرته فوق مستوى الفقر بقليل، تسكن في مساكن شعبية، تجاهد من راتب لآخر. رغم أن والد آلان كان ماهرا واشتهر بذلك، لكنه قط لم يفكر في بدء نشاطه التجاري أو امتلاك محله الخاص.




لم يكن في طفولته أي ملامح عبقرية أو ذكاء، وكان يقوم من فراشه في السادسة صباحا ليغلي بعض حبات الشمندر الحمراء (البنجر) ثم يقف لبيعها في السوق قبل ذهابه للمدرسة، وبعد المدرسة كان يذهب بدراجته لتوصيل بعض الصحف اليومية للمنازل، وفي الإجازة الأسبوعية كان يعمل في محل مخبوزات، وفي الوقت المتوفر بين هذه وتلك كان يلتقط الصور الفوتوغرافية ويحمضها ويطبعها ويبيعها.
 وعمره 16 سنة، كان دخل آلان من هذه الوظائف الجانبية أكبر من راتب والده، رغم ذلك أصر والده على أن يترك ابنه مقاعد الدراسة، فالوظيفة أفضل بكثير، ولذا في سن 16 عاما رحل آلان عن التعليم، والتحق بأول وظيفة له.

كانت الوظيفة حكومية، تتعلق بترتيب الأوراق والتقارير، رتيبة مملة ولذا تركها بعد أسبوع واحد، الأمر الذي أغضب والده فجعله يلتحق بوظيفة أخرى أكثر مللا، فتركها مرة أخرى، ليعمل هو وصديق له على شراء أجهزة تليفزيون لا تعمل، بالجملة، ليجلس هو وصديقه يحاولان إصلاحها، ورغم أن العائد كان شحيحا، لكن هذه الخطوة جعلت آلان يتعلم متطلبات العمل التجاري، ويكتشف أن تجارة الإلكترونيات واعدة يمكن الربح منها، كما وأعطته الشجاعة والثقة بنفسه لكي يبدأ عمله التجاري الخاص الحر فيما بعد.

ثم انتقل بعدها ليعمل موظف مبيعات في محل إلكترونيات أعطاه سيارة نقل ليطوف على العملاء المحتملين ويبيع لهم مسجلات الكاسيت والأجهزة الصوتية، ومرة أخرى تعلم آلان الكثير عن صناعة الإلكترونيات، وأدرك أنه قادر على أن يبيع لنفسه لا لغيره.
 استمر آلان في العمل حتى ادخر ثمن سيارة نقل و رأسمال يكفي لشراء بعض الأجهزة الإلكترونية المستوردة، وحين استلم أول شحنة بضاعة، باعها كلها في يوم واحد مع ربح إجمالي 20% واستمر في البيع والربح حتى أسس شركته في عام 1968 التي أسماها امستراد، أو اختصار آلان مايكل شوجر تريدنج AMSTRAD.

كان عمره 21 ربيعا حين أسس شركة امستراد الشهيرة، وكذلك حين تزوج زوجته.

 آلية الربح عند آلان قامت على تطوير طرق تصنيع منتجات رخيصة، لتحل محل منتجات أخرى في السوق أغلى ثمنا. هذه العقيدة التجارية جذبته لجانب التصنيع أكثر من جانب التسويق لمنتجات الغير، ولهذا بدأ بالأغلفة البلاستيكية لمكبرات الصوت، ثم دخل مجال تصنيع مكبرات الصوت والتي كانت تتمتع بسوق كل منتجاته غالية الثمن، ولهذا قدم آلان مكبرات صوت ذات جودة مقبولة وبأسعار متدنية، وكان آلان من حزب التبسيط، إذ أنه وجد المستهلك العادي لا يفقه الكثير من المميزات التي تقدمها الأجهزة غالية الثمن، ولذا صنع منتجات بعدد قليل من المزايا، لكنه اهتم بالشكل الخارجي، واهتم بالآلية الوحيدة التي ساعدت المشتري العادي على التفرقة بين هذا المكبر الصوتي وذاك، ألا وهي الواط WATT أو حدة قياس القدرة الصوتية لكل مكبر.

كذلك، في حركة عبقرية لم تتكرر كثيرا في مسيرته المهنية، قرر آلان دمج كل مكونات المكبر الصوتي في جهاز واحد، فقبل مجيء أجهزة امستراد، كانت المكبرات الصوتية تأتي في صورة وحدات منفردة، فهذا جهاز الراديو، وهذا جهاز مشغل الاسطوانات السوداء، وهذا المكبر الصوتي، وهذا المعادل / الموازن / إكولايزر، وأخيرا السماعات.

 كان المشتري يعاني من توصيل الكابلات بين كل وحدة، فهذه كابلات الدخل وهذه الخرج وهذه الكهرباء، وكان الشكل الخارجي غابة من الكابلات وكثير من مشاكل التوصيل. دمج كل شيء في جهاز واحد، وتوفير محولات الطاقة والأسلاك، جعله الحل الأمثل، فوق كون الأرخص.
رغم كل هذا، كان الكل يدرك أن جودة هذه المكبرات سيئة وهي لا تزيد عن كونها منتج رخيص، ولعل هذا ما يمكن أن نسميه السبب الأول لكراهية آلان التي تجدها في عيون الكثيرين حين تذكر اسمه.
رغم ذلك، أقبل المشترون وحقق آلان أرباحا سخية، جعلته يحاول تكرار الأمر ذاته في كاسيتات سيارات وهوائياتها، وكذلك أجهزة التليفزيون، وفي عام 1980 أدرج شركته في بورصة لندن بعدما كانت تحقق أرباحا سنوية تعادل 5.6 مليون جنيه استرليني ونالت مديح رئيسة الوزراء الحديدية آنذاك مارجريت ثاتشر.
 بعدها لاحظ آلان تلك الأجهزة الجديدة التي شغلت عقول الناس، خاصة الشباب والمراهقين، ونقصد الحواسيب المايكرو أو الكمبيوترات المنزلية (مرحلة سبقت الحواسيب الشخصية).




في عام 1980 أيضا، قرر آلان تصنيع أجهزة صوتية هاي فاي hi-fi تحوي مشغلين كاسيت، بعدما رأى مشغل كاسيت مزدوج من صنع شركة شارب اليابانية.
 لم يقف آلان هنا، بل نقل الأمر ذاته إلى مشغلات الفيديو، وصنع مشغل فيديو يقبل تشغيل شريطين!! لكن آلان كان يحمل بعض الأفكار الخبيثة، إذ أنه كان يستعمل الهندسة النفسية العكسية، فمثلا حين أراد الترويج لأجهزة الهاي فاي ذات مشغلات الكاسيت الثنائية، كتب على الإعلان أن نسخ شرائط الكاسيت عمل غير قانوني، الأمر الذي جعل الناس تدرك أن هذه الأجهزة هي الأفضل لنسخ شرائط الكاسيت.
حين أراد آلان التسويق لمشغل الفيديو المزدوج، تفادى الاتهام بالتشجيع على نسخ شرائط الفيديو، بأن جعل رسالة التسويق تقوم على إمكانية تسجيل برنامجين تليفزيونين مختلفين في الوقت ذاته. بجانب ذلك، اشتهر آلان بأنه كان يجمع الوحدات الأولى من أجهزة مصانعه بيديه، وأنه كان يجالس التقنين والعمال ليسمع منهم مشاكل شركته بنفسه.




في عام 1984 جاء إطلاق حاسوب امستراد CPC 464 المنزلي بقدرة معالجة 8 بت، وبسعر 199 جنيه استرليني وهو سعر اقتصادي جدا وقتها.
هذا المجال الجديد قفز بأرباح امستراد إلى 75 مليون جنيه استرليني، لكن ليس بسبب جودة تلك المنتجات، بل بسبب سعرها المتدني، وبسبب الوعود التي قطعها آلان بأن يكرر ما يجيده: دمج المكونات معا لتقليل التكلفة فيستطيع تقديم منتجات رخيصة، وكان وعده بتقديم حاسوب شخصي بسعر في متناول الجميع. اجتهد آلان للوفاء بهذا الوعد، إذ دمج الحاسوب مع الشاشة مع الطابعة وباع الجهاز بسعر 399 جنيه استرليني، لينافس حاسوب آي بي ام الشخصي ذا السعر 2500 جنيه استرليني.

في عام 1986، اشترى آلان الحقوق التجارية للحواسيب المنزلية سنكلير Sinclair، فأنقذ تلك الشركة الانجليزية من الافلاس، وحقق مبيعات كثيرة حين طرح أجهزة جديدة تحمل اسم سنكلير الشهير، وبدأ يدخل مجال تصنيع حواسيب متوافقة مع أجهزة آي بي ام، لكنه خسر في النهاية ولم يتمكن من الاستمرار في المنافسة، خسر في مجال الحواسيب المنزلية، والشخصية، لأسباب عديدة، أغلبها تدور حول مشاكل في التوافقية ما بين القديم والجديد والحواسيب الأخرى والتطبيقات.

بسبب هذه المشاكل خسرت امستراد أسواقها، فبدأت تتحول إلى دخول صناعة الاتصالات. رغم كل ذلك، كان الربح وفيرا وقتها، على أن آلان كان سليط اللسان، مثل مدفع هائج يقذف الشتائم واللعنات، ولم يفلح معه دعوته لتناول الطعام مع الملكة، وجلوسه بجانب الأمير فيليب.
كانت امبراطورية امستراد تقوم على شراء المكونات بحجم كبير، الأمر الذي يؤدي لتقليل سعر بيع المنتج الواحد، ما يمكنه من انتاج منتجات بتكلفة رخيصة، ومن ثم بيعها بسعر قليل.
 هذا النموذج له عيب بسيط، إذا لم يشتر المستهلكون منتجاتك، خسرت على نطاق كبير، وهذا ما بدأ يحدث مع مطلع عام 1988 إذ بدأت حواسيب امستراد تتوقف عن تحقيق مبيعات كبيرة، وبدأت الخسائر و الاخفاقات تحل الواحدة تلو الأخرى على امستراد. رغم كل هذا، لم ينقذ شركة امستراد سوى شيء واحد، تصنيع أجهزة استقبال بث الأقمار الصناعية بالطريقة ذاتها، فهذه الأجهزة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي كانت تباع بسعر 500 جنيه استرليني، لكن آلان تمكن من صنعها وبيعها بنصف هذا الثمن، الأمر الذي كفل له بعض الربح والمال لتستمر الشركة، رغم خسارتها الفادحة في مجال الحواسيب، حيث كانت أجهزتها مشهورة بالعيوب والتعطل والمشاكل!

رغم دخول آلان مجال تقديم البرامج التليفزيونية، في النسخة الانجليزية من برنامج The Apprenticeالأمريكي الأصل والذي اشتهر بتقديم المليونير الأمريكي دونالد ترامب له، لكن هذا البرنامج لم يساعده على تيسير أعماله. لحسن طالعه، كان آلان من الذكاء بحث بدأ يستثمر ماله في مجال العقارات والاتصالات، وهو الأمر الذي أنقذه من نهاية فقيرة. في عام 2007 باع آلان نصيبه في شركته امستراد لشبكة بي سكاي بي التليفزيونية العميل الأكبر لمستقبلات بث الأقمار الصناعية التي أبقت شركته تحقق بعض الأرباح، وبعدها بعام استقال من إدارة هذه الشركة، ليعمل في وظيفة مستشار حكومي، انتهت في عام 2010 بعد مجئ الحكومة الانجليزية الجديدة.
 في أوج مجدها، كانت القيمة السوقية لشركة امستراد 1.2 مليار جنيه استرليني، لكن عند بيعها كانت القيمة تقدر فقط بقرابة 125 مليون جنيه استرليني، وأما ثروة آلان فيشاع أنها 770 مليون جنيه استرليني!
الشهير كذلك في قصة آلان دخوله في معركة حامية لشراء نادي توتنهام لكرة القدم في 1991 وفاز بها، ولعله الأمر الذي شغله عن شركته التي كانت تنزف ماليا وقتها. ليس هذا وحسب، فطريقة إدارته لهذا النادي جعلته يصنع أعداء أكثر له، بسبب ما خرج من فمه من هجوم. حين باع آلان كل حصته في هذا النادي، وصف هذه الفترة من حياته بأنها مضيعة لوقته!

في عام 2000 حصل آلان على لقب سير من ملكة انجلترا بسبب أرباحه لا أخلاقه، خاصة بعدما اشتهر عن آلان أنه كان يسأل النساء المتقدمات للعمل في شركاته عما إذا كن يفكرن في إنجاب الأطفال ومن تجيب بالإيجاب تذهب بلا عودة، الأمر الذي أثار ضجة، فما كان منه إلا أن توقف عن توظيف النساء تماما. هاجم النقاد آلان لأنه كان يدير شركاته بسياسة الخوف والترهيب، واعتبروه من أسوأ المديرين في انجلترا، وأما أشهر أخطاء آلان فكانت حين تنبأ بفشل مشغلات الموسيقى ايبود من ابل، واصفا إياها بأنها ستموت، وتنتهي وتختفي.

بقلم رؤوف شبابيك

هناك 6 تعليقات: