الأربعاء، 14 يناير 2015

قصة نجاح مؤسس مطاعم صبواي


سنتناول قصة نجاح بطلها يحمل لقب أثرى رجل اغتنى من صناعة السندويتشات / الشطائر، وفي حين بلغ عدد فروع محلات ماكدونالدز حول العالم 32,737 فرعا في نهاية 2010، كان لمحلاته وقتها 33,749 فرعا حول العالم، وكانت البحرين أول دولة في العالم يفتتح بها أول فرع لمطاعمه خارج الأراضي الأمريكية، ولرغبته في دخول الجامعة ولقصر ذات اليد افتتح وهو شاب صغير مطعما للشطائر، وأما اليوم فتقدر مجلة فوربز ثروته بمقدار 2.2 مليار دولار، ورغم هذا الثراء، يقود سيارة مر عليها سنوات طوال، ويسكن في شقة عادية ذات غرفتين، إنه..



بطلنا هنا ابن لأبوين إيطاليين هاجرا شبابا إلى أمريكا وسكنا نيويورك، يحمل اسم فريدريك ديلوكا Fred DeLuca، وجاء ميلاده في حي بروكلين في مدينة نيويورك، في عام 1948، وظهرت عليه إرهاصات التجارة صغيرا حين قام وعمره 10 سنوات بجمع الزجاجات الفارغة من الحي الذي عاش فيه مع أهله، وباع كل زجاجة مقابل سنتين لكل زجاجة، وفي عام 1957 قام بتوزيع الصحف اليومية لأكثر من 400 مشترك لديه.

 حين تخرج من المدرسة الثانوية، استقرت رغبته على دراسة الطب، لكن قصر ذات اليد والفقر الشديد الذي كان يعيش فيه، وكذلك مصاريف الدراسة الكثيرة، كل هذا دفعه لأن يعمل في محل بيع آلات مقابل دولار وربع لكل ساعة عمل.
منبع الفكرة
كان المردود المالي قليلا لا يكفي لسداد المصاريف الجامعية، ثم حدث في يوم الأحد من شهر يوليو من عام 1965 أن جاء صديق قديم للعائلة للزيارة، دكتور الفيزياء النووية ’بيتر باك‘، وحدث أن سأله فريد عن حل لمشكلة ضيق ذات اليد، فأخذ الصديق يتحدث عن صاحب سلسلة مطاعم شهيرة بدأ من لا شيء وبمطعم واحد حتى أصبح يملك سلسلة طويلة منها، وأخذ يمدح ويشيد بأرباح مجال المطاعم وسهولة دخول هذا المعترك، حتى أنه وافق على تمويل مشروع مماثل، تمثل في صورة شيك منه بمبلغ ألف دولار على سبيل المشاركة، لكي يقوم فريد بتأجير محل وتحويله لمطعم والعمل فيه بنفسه لكي يدر عليه المال اللازم لإتمام دراسته. كان الاتفاق المبدئي افتتاح 32 مطعما خلال عشر سنوات من بدء النشاط!
إذا قلت لي منذ 30 سنة أنه سيأتي يوم نجلس فيه في مطعم صبــواي في موسكو،
كنت لأقول إنك لمجنون. – فريد ديلوكا – مؤسس مطاعم صبــواي


في اليوم التالي، خرج فريد باحثا عن محل ليستأجره وينفذ فكرة صديق العائلة واقتراحه، مستعيرا سيارة والده ليطوف بها الطرقات القريبة من منزله حتى عثر على بغيته في بريدبورت في ولاية كونيتكيت، حتى أنه بعد دفع مبلغ الإيجار ومقابل شراء الأدوات اللازمة، لم يتبق له أي مال ليسدد به 25 دولار أجر المحامي لكي يعد الأوراق الرسمية للإيجار، لكن هذا لم يمنعه من المضي قدما في سبيل تحقيق هدفه، دون عقد إيجار رسمي موقع! في أقل من أسبوع، تحول الطالب العامل ذو السبعة عشر عاما إلى شريك في ملكية وإدارة مطعم في مدينة بريدجبورت في ولاية كونيكتيكت، قليل الخبرة والمال، ما جعله يصمم الديكورات الداخلية بنفسه، فقام ببناء الفواصل والطاولات، وبدأ يضع إعلانات في الجرائد باحثا عن أجهزة ومعدات مستعملة، حتى أنه لم يخجل من صياغة الإعلان قائلا ’طالب في حاجة لبراد / ثلاجة مستعملة‘. كانت رؤيته قائمة على تصميم طاولة عريضة، عليها خزينة النقود، و إناء ين صغيرين لوضع الخضروات ومكونات وحشو الشطائر. بعد الجهد والاجتهاد، جاء وقت اختيار الاسم.


منبع الاسم
كان المعتاد ساعتها تسمية الشطائر / الساندويتشات صبـمارينز أو Submarines ولهذا وضع اسم صديق العائلة وصاحب الفكرة والممول الرئيس قبلها فأصبح الاسم Pete’s Submarines أو ’بيت صبـمارينز‘. بعد فترة من الافتتاح والاستعمال، تبين أن الناس تخطئ في الاسم فتنطقه بيتزا مارينز، ولذا قرر فريد تحويل الاسم إلى بيتز صبـواي Pete’s Subway وبعد فترة من الزمن ومن واقع الاستخدام اليومي، تحول الاسم للاكتفاء بكلمة صبـواي في عام 1968، وهو الاسم المستخدم حتى اليوم.

وأما من أين جاءت كلمة صبـمارين والتي تعني غواصة في اللغة الانجليزية، فمن كونها التسمية الايطالية للساندويتش الايطالي الذي يشبه الغواصة، من حيث الشكل الطويل شبه الدائري.
في اليوم الأول لافتتاح المطعم (تحديدا 28 أغسطس 1965)، باع فريد 312 ساندويتش / شطيرة، بسعر تراوح ما بين 49 إلى 69 سنت للساندويتش، مع مشروبات غازية مجانية، وكان يعمل في المطعم بمفرده، مع بعض المساعدة من والدته من حين لآخر، على أن المبيعات تراجعت ولم تتزايد، وكان فريد يقود سيارته فولكس فاجن قرابة مئة ميل يوميا ليجلب أفضل الخضروات من أجل مطعمه.

بعد مرور وقت قصير، تعرض المشروع الناشئ لأول مشاكله، وجوب تركيب حوض معين في مطبخ المطعم، يكلف قرابة 550 دولار، وهو ما لم يتوفر في ميزانية فريد الذي كان على وشك إغلاق المطعم، لولا تدخل صديق العائلة والشريك وتوقيعه على شيك ثان بمبلغ ألف دولار لإنقاذ المشروع الناشئ وشراء الحوض اللازم. بعدها استمر فريد في الإدارة واضعا نصب عينيه هدف افتتاح 32 فرعا لمطعمه خلال أقل من 10 سنوات، وكانت فكرته تقوم على استغلال الوفرة المالية المؤقتة التي كان يحققها، فقد كان يحصل على ثمن الساندويتشات اليوم، ويدفع أجور الموظفين والعمال، وأثمان المواد الخام والمكونات في اليوم التالي.


الأزمة الطاحنة الأولى
بعد مرور عام على إطلاق مطعمه الأول، أصر فريد على افتتاح الثاني في موقع قريب من الأول، رغم أن الأرقام كشفت بعدها عن تحقيق فريد لخسارة في كلا المطعمين.

 في جلسة تفكير مع صديق العائلة والشريك بيتر، قرر الاثنان – عوضا عن إغلاق المطعمين – افتتاح مطعم ثالث وبسرعة، أملا في وقف نزيف الخسائر وتحقيق بعض الأرباح من المطاعم الثلاثة.
 مع إدارة دقيقة وموفرة للمطاعم الثلاثة، وساعات عمل طويلة جدا، تمكن فريد من تقليل التكاليف حتى بدأت المطاعم الثلاثة تعزف نغمة الأرباح. يخبرنا فريد بنفسه عن سبب الأداء المتدني للمطعم الأول والثاني، ألا وهو موقع المطعم ذاته، فالعملاء والمرتادون يريدون موقعا يمكن رؤيته والعثور عليه بسهولة، يصرخ بعلامات النظافة والأمان، وهو ما التزم به في مطاعمه التالية.
بعدها أخذ يفكر فريد كيف سيحقق هدفه المحدد مسبقا بافتتاح 32 مطعما، ولم يجد ما يحقق هذا الهدف سوى فكرة الفرنشايز وبيع حق استغلال الاسم التجاري للمطاعم الأخرى، فهو فكر في الأمر ووجده يقف عند توظيف بعض الأشخاص وتدريبهم جيدا، ثم تركهم ليديروا هذه المطاعم الأخرى، خاصة أن فريد – وعبر تسع سنوات من إدارة مطاعمه – تمكن من وضع دليل دقيق ومفصل يحوي الخطوات اللازمة لإدارة المطعم وإعداد الطعام.

صديق / شريك
عرض فريد الفكرة على صديقه براين ديكسون ليكون أول مجرب لفكرة الفرنشايز (يحكي فريد أن براين هذا كانت زوجته تعمل في المستشفي الذي عملت فيه زوجة فريد، ومن هنا جاءت المعرفة)، ولتشجيعه على خوض التجربة، قرر فريد أن يبيع المطعم الثالث لصديقه مقابل أن يديره الأخير بنفسه، وإذا لم يرق الأمر لصديقه ديكسون، ما عليه سوى أن يعيد المطعم لفريد دون أي مصاريف إضافية.
 في البداية، رفض ديكسون، ولكن بعد فترة من التفكير، ولكونه عاطلا عن العمل، قرر تجربة هذا العرض المغري، ونجح في الأمر واستمر من كبار عملاء صبـواي حتى اليوم. بعد العميل الأول، تحول فريد لإقناع أفراد عائلته الإيطالية، ومن بعدها بدأ ينشر الإعلانات في الجرائد باحثا عمن يقبل شراء حق الفرنشايز منه.

أصر فريد دائما على استخدام الخضروات الطازجة فقط في مطاعمه، وكان ديدنه أن يخبز كل مطعم خبز الساندويتشات بشكل يومي، حتى أنه صمم بنفسه آلات الخبز كي تحقق مستوى الجودة الذي يريده، كذلك كان لطريقته في عرض مكونات الساندويتشات أمام المشتري وتجميعها معا داخل الساندويتش الأثر الطيب على المبيعات. ساهم حرص فريد على أن يكون ما يبيعه صحيا وخفيفا على البطون على تغيير صورة مطاعم الوجبات السريعة وتحسين سمعتها من تقديمها للطعام المسموم بالدهون، إلى مطاعم تركز على الصحي والخفيف قليل الدهون.

من نجاح لآخر كان منوال مطاعم صبـواي، حتى أنه في عام 1978 كان هناك أكثر من مئة مطعم تحمل اسم صبـواي، وفي عام 1987 كان هناك ألف، واستمر معدل النمو والزيادة والتوسع دون توقف، وأما عام 2002 فشهد تقدم عدد المطاعم التي تحمل اسم صبـواي على عدد مطاعم ماكدونالدز داخل الولايات المتحدة. الطريف في الأمر أن أول خروج لمحلات صبـواي خارج أمريكا كان في عام 1984 وفي مملكة البحرين، وأما أول صبـواي في مصر فكان افتتاحه في عام 1995، وفي لبنان في عام 1997.

اخسر وزنك لنكسب شهرة
وأما أشهر وسيلة تسويقية ساعدت على وضع اسم صبـواي على كل لسان فهي حملة جاريد فوجل السمين الذي تحول نحيفا مع تناوله لطعام صبـواي بشكل منتظم، فقط ساندويتشين قليلي الدهون في اليوم وحسب، وأما مقدار ما خسره جاريد من وزن فكان مئة و أحد عشر كيلو جرام، نعم، 111 كيلو جرام، ليس في الأمر خطأ مطبعي!

كان جاريد طالبا جامعيا مفرط السمنة، لم ينجح معه أي برنامج حمية وتخسيس، و حين شاهد يوما ما إعلانا لمطاعم صبـواي عن شطائرها قليلة الدهون، قرر أن يستمر على مر عام كامل بأكل هذا الطعام قليل الدهون. خسارة الوزن هذه لم تمر دون ملاحظتها من جريدة الجامعة، فقد قرأ قصته أحد حاملي حقوق الفرانشيز، فقرر الاتفاق معه على نشر قصته و تجربته وسيلة ً تسويقية ً لمطاعم صبـواي.

شهد عام 2008 بدايات الأزمة المالية العالمية، إذ خسرت شركات كثيرة الكثير، وأفلس العدد الكبير من البنوك، فكيف كان حال مطاعم صبـواي؟ كان 2008 أفضل سنة في تاريخ صبـواي، فعدد المطاعم تخطى 30 ألف مطعم حول العالم، وقائمة الانتظار ممتدة من الراغبين في الحصول على حق الفرنشايز، ويفسر فريد هذا الأمر بأن إعداد الساندويتش أمام المشترين يعد وسيلة تسويقية لكل مطعم، كذلك يساعد تميز شطائر صبـواي بقلة الدهون فيها، وسعرها الاقتصادي، على ربح معركة المفاضلة بين الشراء من مطعم صبـواي أو أي منافس آخر، وتشير الإحصائيات إلى أن 70 % من الحاصلين على حق الفرنشايز يشترون المزيد من حقوق اسم صبـواي.
بقلم رؤوف شبابيك

قصة نجاح امبراطورية امستراد المثيرة !!

سوف نتحدث في هذه التدوينة عن صاحب امبراطورية امستراد
إنه آلان مايكل شوجر، الانجليزي الأصل، اليهودي الديانة، مواليد مارس 1947 ورابع أخوته، لأب عمل ترزي ملابس وكان ميلاده في شرق العاصمة لندن، وكانت أسرته فوق مستوى الفقر بقليل، تسكن في مساكن شعبية، تجاهد من راتب لآخر. رغم أن والد آلان كان ماهرا واشتهر بذلك، لكنه قط لم يفكر في بدء نشاطه التجاري أو امتلاك محله الخاص.




لم يكن في طفولته أي ملامح عبقرية أو ذكاء، وكان يقوم من فراشه في السادسة صباحا ليغلي بعض حبات الشمندر الحمراء (البنجر) ثم يقف لبيعها في السوق قبل ذهابه للمدرسة، وبعد المدرسة كان يذهب بدراجته لتوصيل بعض الصحف اليومية للمنازل، وفي الإجازة الأسبوعية كان يعمل في محل مخبوزات، وفي الوقت المتوفر بين هذه وتلك كان يلتقط الصور الفوتوغرافية ويحمضها ويطبعها ويبيعها.
 وعمره 16 سنة، كان دخل آلان من هذه الوظائف الجانبية أكبر من راتب والده، رغم ذلك أصر والده على أن يترك ابنه مقاعد الدراسة، فالوظيفة أفضل بكثير، ولذا في سن 16 عاما رحل آلان عن التعليم، والتحق بأول وظيفة له.

كانت الوظيفة حكومية، تتعلق بترتيب الأوراق والتقارير، رتيبة مملة ولذا تركها بعد أسبوع واحد، الأمر الذي أغضب والده فجعله يلتحق بوظيفة أخرى أكثر مللا، فتركها مرة أخرى، ليعمل هو وصديق له على شراء أجهزة تليفزيون لا تعمل، بالجملة، ليجلس هو وصديقه يحاولان إصلاحها، ورغم أن العائد كان شحيحا، لكن هذه الخطوة جعلت آلان يتعلم متطلبات العمل التجاري، ويكتشف أن تجارة الإلكترونيات واعدة يمكن الربح منها، كما وأعطته الشجاعة والثقة بنفسه لكي يبدأ عمله التجاري الخاص الحر فيما بعد.

ثم انتقل بعدها ليعمل موظف مبيعات في محل إلكترونيات أعطاه سيارة نقل ليطوف على العملاء المحتملين ويبيع لهم مسجلات الكاسيت والأجهزة الصوتية، ومرة أخرى تعلم آلان الكثير عن صناعة الإلكترونيات، وأدرك أنه قادر على أن يبيع لنفسه لا لغيره.
 استمر آلان في العمل حتى ادخر ثمن سيارة نقل و رأسمال يكفي لشراء بعض الأجهزة الإلكترونية المستوردة، وحين استلم أول شحنة بضاعة، باعها كلها في يوم واحد مع ربح إجمالي 20% واستمر في البيع والربح حتى أسس شركته في عام 1968 التي أسماها امستراد، أو اختصار آلان مايكل شوجر تريدنج AMSTRAD.

كان عمره 21 ربيعا حين أسس شركة امستراد الشهيرة، وكذلك حين تزوج زوجته.

 آلية الربح عند آلان قامت على تطوير طرق تصنيع منتجات رخيصة، لتحل محل منتجات أخرى في السوق أغلى ثمنا. هذه العقيدة التجارية جذبته لجانب التصنيع أكثر من جانب التسويق لمنتجات الغير، ولهذا بدأ بالأغلفة البلاستيكية لمكبرات الصوت، ثم دخل مجال تصنيع مكبرات الصوت والتي كانت تتمتع بسوق كل منتجاته غالية الثمن، ولهذا قدم آلان مكبرات صوت ذات جودة مقبولة وبأسعار متدنية، وكان آلان من حزب التبسيط، إذ أنه وجد المستهلك العادي لا يفقه الكثير من المميزات التي تقدمها الأجهزة غالية الثمن، ولذا صنع منتجات بعدد قليل من المزايا، لكنه اهتم بالشكل الخارجي، واهتم بالآلية الوحيدة التي ساعدت المشتري العادي على التفرقة بين هذا المكبر الصوتي وذاك، ألا وهي الواط WATT أو حدة قياس القدرة الصوتية لكل مكبر.

كذلك، في حركة عبقرية لم تتكرر كثيرا في مسيرته المهنية، قرر آلان دمج كل مكونات المكبر الصوتي في جهاز واحد، فقبل مجيء أجهزة امستراد، كانت المكبرات الصوتية تأتي في صورة وحدات منفردة، فهذا جهاز الراديو، وهذا جهاز مشغل الاسطوانات السوداء، وهذا المكبر الصوتي، وهذا المعادل / الموازن / إكولايزر، وأخيرا السماعات.

 كان المشتري يعاني من توصيل الكابلات بين كل وحدة، فهذه كابلات الدخل وهذه الخرج وهذه الكهرباء، وكان الشكل الخارجي غابة من الكابلات وكثير من مشاكل التوصيل. دمج كل شيء في جهاز واحد، وتوفير محولات الطاقة والأسلاك، جعله الحل الأمثل، فوق كون الأرخص.
رغم كل هذا، كان الكل يدرك أن جودة هذه المكبرات سيئة وهي لا تزيد عن كونها منتج رخيص، ولعل هذا ما يمكن أن نسميه السبب الأول لكراهية آلان التي تجدها في عيون الكثيرين حين تذكر اسمه.
رغم ذلك، أقبل المشترون وحقق آلان أرباحا سخية، جعلته يحاول تكرار الأمر ذاته في كاسيتات سيارات وهوائياتها، وكذلك أجهزة التليفزيون، وفي عام 1980 أدرج شركته في بورصة لندن بعدما كانت تحقق أرباحا سنوية تعادل 5.6 مليون جنيه استرليني ونالت مديح رئيسة الوزراء الحديدية آنذاك مارجريت ثاتشر.
 بعدها لاحظ آلان تلك الأجهزة الجديدة التي شغلت عقول الناس، خاصة الشباب والمراهقين، ونقصد الحواسيب المايكرو أو الكمبيوترات المنزلية (مرحلة سبقت الحواسيب الشخصية).




في عام 1980 أيضا، قرر آلان تصنيع أجهزة صوتية هاي فاي hi-fi تحوي مشغلين كاسيت، بعدما رأى مشغل كاسيت مزدوج من صنع شركة شارب اليابانية.
 لم يقف آلان هنا، بل نقل الأمر ذاته إلى مشغلات الفيديو، وصنع مشغل فيديو يقبل تشغيل شريطين!! لكن آلان كان يحمل بعض الأفكار الخبيثة، إذ أنه كان يستعمل الهندسة النفسية العكسية، فمثلا حين أراد الترويج لأجهزة الهاي فاي ذات مشغلات الكاسيت الثنائية، كتب على الإعلان أن نسخ شرائط الكاسيت عمل غير قانوني، الأمر الذي جعل الناس تدرك أن هذه الأجهزة هي الأفضل لنسخ شرائط الكاسيت.
حين أراد آلان التسويق لمشغل الفيديو المزدوج، تفادى الاتهام بالتشجيع على نسخ شرائط الفيديو، بأن جعل رسالة التسويق تقوم على إمكانية تسجيل برنامجين تليفزيونين مختلفين في الوقت ذاته. بجانب ذلك، اشتهر آلان بأنه كان يجمع الوحدات الأولى من أجهزة مصانعه بيديه، وأنه كان يجالس التقنين والعمال ليسمع منهم مشاكل شركته بنفسه.




في عام 1984 جاء إطلاق حاسوب امستراد CPC 464 المنزلي بقدرة معالجة 8 بت، وبسعر 199 جنيه استرليني وهو سعر اقتصادي جدا وقتها.
هذا المجال الجديد قفز بأرباح امستراد إلى 75 مليون جنيه استرليني، لكن ليس بسبب جودة تلك المنتجات، بل بسبب سعرها المتدني، وبسبب الوعود التي قطعها آلان بأن يكرر ما يجيده: دمج المكونات معا لتقليل التكلفة فيستطيع تقديم منتجات رخيصة، وكان وعده بتقديم حاسوب شخصي بسعر في متناول الجميع. اجتهد آلان للوفاء بهذا الوعد، إذ دمج الحاسوب مع الشاشة مع الطابعة وباع الجهاز بسعر 399 جنيه استرليني، لينافس حاسوب آي بي ام الشخصي ذا السعر 2500 جنيه استرليني.

في عام 1986، اشترى آلان الحقوق التجارية للحواسيب المنزلية سنكلير Sinclair، فأنقذ تلك الشركة الانجليزية من الافلاس، وحقق مبيعات كثيرة حين طرح أجهزة جديدة تحمل اسم سنكلير الشهير، وبدأ يدخل مجال تصنيع حواسيب متوافقة مع أجهزة آي بي ام، لكنه خسر في النهاية ولم يتمكن من الاستمرار في المنافسة، خسر في مجال الحواسيب المنزلية، والشخصية، لأسباب عديدة، أغلبها تدور حول مشاكل في التوافقية ما بين القديم والجديد والحواسيب الأخرى والتطبيقات.

بسبب هذه المشاكل خسرت امستراد أسواقها، فبدأت تتحول إلى دخول صناعة الاتصالات. رغم كل ذلك، كان الربح وفيرا وقتها، على أن آلان كان سليط اللسان، مثل مدفع هائج يقذف الشتائم واللعنات، ولم يفلح معه دعوته لتناول الطعام مع الملكة، وجلوسه بجانب الأمير فيليب.
كانت امبراطورية امستراد تقوم على شراء المكونات بحجم كبير، الأمر الذي يؤدي لتقليل سعر بيع المنتج الواحد، ما يمكنه من انتاج منتجات بتكلفة رخيصة، ومن ثم بيعها بسعر قليل.
 هذا النموذج له عيب بسيط، إذا لم يشتر المستهلكون منتجاتك، خسرت على نطاق كبير، وهذا ما بدأ يحدث مع مطلع عام 1988 إذ بدأت حواسيب امستراد تتوقف عن تحقيق مبيعات كبيرة، وبدأت الخسائر و الاخفاقات تحل الواحدة تلو الأخرى على امستراد. رغم كل هذا، لم ينقذ شركة امستراد سوى شيء واحد، تصنيع أجهزة استقبال بث الأقمار الصناعية بالطريقة ذاتها، فهذه الأجهزة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي كانت تباع بسعر 500 جنيه استرليني، لكن آلان تمكن من صنعها وبيعها بنصف هذا الثمن، الأمر الذي كفل له بعض الربح والمال لتستمر الشركة، رغم خسارتها الفادحة في مجال الحواسيب، حيث كانت أجهزتها مشهورة بالعيوب والتعطل والمشاكل!

رغم دخول آلان مجال تقديم البرامج التليفزيونية، في النسخة الانجليزية من برنامج The Apprenticeالأمريكي الأصل والذي اشتهر بتقديم المليونير الأمريكي دونالد ترامب له، لكن هذا البرنامج لم يساعده على تيسير أعماله. لحسن طالعه، كان آلان من الذكاء بحث بدأ يستثمر ماله في مجال العقارات والاتصالات، وهو الأمر الذي أنقذه من نهاية فقيرة. في عام 2007 باع آلان نصيبه في شركته امستراد لشبكة بي سكاي بي التليفزيونية العميل الأكبر لمستقبلات بث الأقمار الصناعية التي أبقت شركته تحقق بعض الأرباح، وبعدها بعام استقال من إدارة هذه الشركة، ليعمل في وظيفة مستشار حكومي، انتهت في عام 2010 بعد مجئ الحكومة الانجليزية الجديدة.
 في أوج مجدها، كانت القيمة السوقية لشركة امستراد 1.2 مليار جنيه استرليني، لكن عند بيعها كانت القيمة تقدر فقط بقرابة 125 مليون جنيه استرليني، وأما ثروة آلان فيشاع أنها 770 مليون جنيه استرليني!
الشهير كذلك في قصة آلان دخوله في معركة حامية لشراء نادي توتنهام لكرة القدم في 1991 وفاز بها، ولعله الأمر الذي شغله عن شركته التي كانت تنزف ماليا وقتها. ليس هذا وحسب، فطريقة إدارته لهذا النادي جعلته يصنع أعداء أكثر له، بسبب ما خرج من فمه من هجوم. حين باع آلان كل حصته في هذا النادي، وصف هذه الفترة من حياته بأنها مضيعة لوقته!

في عام 2000 حصل آلان على لقب سير من ملكة انجلترا بسبب أرباحه لا أخلاقه، خاصة بعدما اشتهر عن آلان أنه كان يسأل النساء المتقدمات للعمل في شركاته عما إذا كن يفكرن في إنجاب الأطفال ومن تجيب بالإيجاب تذهب بلا عودة، الأمر الذي أثار ضجة، فما كان منه إلا أن توقف عن توظيف النساء تماما. هاجم النقاد آلان لأنه كان يدير شركاته بسياسة الخوف والترهيب، واعتبروه من أسوأ المديرين في انجلترا، وأما أشهر أخطاء آلان فكانت حين تنبأ بفشل مشغلات الموسيقى ايبود من ابل، واصفا إياها بأنها ستموت، وتنتهي وتختفي.

بقلم رؤوف شبابيك

الأبن العاشر الذي أصبح ملياردير



في الخمسينات الميلادية جاء دور الابن العاشر من اثنى عشر إجمالا، لأب يبيع بيض الدجاج، في عام 1955 وفي أحد أحياء سنغافورة الفقيرة (وقتها)، ولما حل الفقر ضيفا ثقيلا، لم يدع لبطل قصتنا سيم ونج هوو Sim Wong Hooسوى الخيال في صغره لينسج منه ألعابه
 ولذا حين أهدته أخته هارمونيكا كانت الهدية المثلى، والتي جعلت من الموسيقى رفيق الدرب والحياة لهذا الصغير. كان سيم تلميذا عاديا بلا أي مزايا نحكي عنها، وحتى حين دخل الجامعة التقنية وحصل على دبلوم الهندسة في عام 1975 لم يظهر عليه أيا من علامات النبوغ التقليدية، وبعد تخرجه تنقل ما بين وظيفة مدرس إلى مهندس في شركة إلكترونيات يابانية وانتهاء بعامل على منصة بحرية لاستخراج النفط في جنوب بحر الصين.





دخل سيم عالم الحواسيب والكمبيوترات حين بدأ يقرأ في كتيبات الاستخدام بعمق، ليتعلم بنفسه كيف يبرمج برنامج بدائيا كي يعزف بعض الموسيقى البدائية على كمبيوتر تسنى له استخدامه وقته. (في نهاية السبعينيات، كانت الحواسيب صماء لا تصدر أي صوت).

 على أن طفولته الفقيرة علمته أن يخترع ألعابه وأدواته مما توفر له في بيئته، وأن تكون أحلامه هي نهاية حدود الممكن، ولهذا قرر ذات ليلة مقمرة على ظهر منصة الحفر أنه بحاجة إلى هدف وغاية في حياته، ولتأكيد قراره هذا، جعل هدفه وغايته أن يجمع مليون دولار خلال 5 أعوام من هذه اللحظة الحاسمة في حياته.

بعدها استقال من عمله على منصفة الحفر، اتفق مع رفيق صباه وصديقه المقرب كاي وا Ng Kai Wa لكي يفتتحا محل بيع وتصليح الحواسيب، برأسمال قدره 6 آلاف دولار، في سوق تجاري (مول اسمه Pearl’s Centre) في الحي الصيني من سنغافورة، وكان اسم المحل Creative Technology أو التقنية المبدعة.

 في البداية ساعدت فواتير البيع والإصلاح والتدريب على إدارة العجلة، الأمر الذي شجع سيم على تصميم دائرة إلكترونية يمكن إضافتها لذاكرة حواسيب ابل 2 الشهيرة وحققت مبيعات طيبة، ثم في عام 1984 بدأ سيم في تجميع وبيع كمبيوتر أسماه كيوب99 Cube 99 ثنائي المعالج ويشتمل على دائرة إلكترونية صوتية، ويعمل على نظامي تشغيل أبل و CP/M – لكن الاسم الفعلي له كان ’الكمبيوتر الناطق‘ لأنه احتوى على دائرة صوت جعلته يتحدث بالانجليزية والصينية.


بعدها في عام 1986 أتبعه سيم بكمبيوتر مكتبي أسماه: كيوبيكس أو Cubix CT وكان أشهر سماته احتوائه بدوره على بطاقة صوت، ونظام تشغيل باللغة الصينية يوفر الترجمة الآلية من وإلى الصينية والانجليزية.
فشل هذا الكمبيوتر ولم يحقق المبيعات المتوقعة منه وكاد أن يفلس الشركة، خاصة وأن شرح كل مميزاته كان يستغرق ساعتين من الشرح المتواصل.
 رغم ذلك لاقت بطاقة الصوت هذه الإعجاب والاستحسان من الجميع، وكانت هذه البطاقة الظهور الأول لبطاقات الصوت التي اشتهرت فيما بعد تحت اسم ساوند بلاستر أو Sound Blaster.
كان لهذا الفشل محاسن كثيرة، إذ أنه جاء بمثابة الدش البارد، لينبه سيم إلى أن تركيزه على سنغافورة فقط خطأ كبير، وأن تركيزه على صنع حاسوب كامل ليس المجال الذي يملك فيه ميزة فريدة، وكل هذا شجع الشركة كي تركز على الشيء الفريد الذي تملكه، ألا وهو صنع معالج صوتي إلكتروني قادر على إعادة انتاج الصوت بجودة عالية جدا، وهو الأمر الذي سبقت فيه كل العالم. في عام 1987 جاء ميلاد بطاقة الصوت العاملة على حواسيب آي بي ام الأصلية والمتوافقة معها، ذات الاثنى عشر قناة صوتية، والتي حملت الاسم Creative Music System أو (C/MS) اختصارا.

أدرك سيم أن لديه منتج ناجح واعد مطلوب، لكنه كذلك أدرك أنه إذا أراد تحقيق النجاح الكبير الذي يريده، فعليه دخول السوق الأمريكية، ولهذا قرر في 1988 أن يسافر بنفسه إلى مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، بعدما أخبر الجميع أنه لن يعود إلى سنغافورة إلا بعد أن يربح مليون دولار من بيع 20 ألف بطاقة صوتية من إنتاج شركته. كان هذا الهدف صعبا، ففي هذا الوقت، كانت الحواسيب صامتة أو تطنطن بعض الضجيج الصوتي لا أكثر (أو بلغة أخرى، لم يكن هناك سوق فعلية لبطاقات الصوت لأجهزة الكمبيوتر).


أسس سيم شركة كريتيف لابز Creative Labs (أو المعامل المبدعة إن شئت) في أغسطس 1988 في أمريكا، وفي العام التالي بدأ في بيع بطاقات جيم بلاستر Game Blaster والتي تميزت بأنها توفر خرجا صوتيا ثنائي القنوات أو ستيريو، وهو الشيء الجديد وقتها، حتى أنه حين شاركت الشركة في معرض كومدكس لاس فيجاس 1989 وعرضت هذه البطاقة للجمهور، اصطف الحضور في طوابير طويلة لشراء هذه البطاقة العجيبة، وكان من ضمن الواقفين المغني الشهير مايكل جاكسون، الذي جذبته الجودة العالية للموسيقى الصادرة من جناح الشركة وعبر هذه البطاقة، كما وأقنع سيم العديد من مطوري ومبرمجي ألعاب الكمبيوتر كي يدعموا استخدام بطاقاته الصوتية في ألعابهم، وهو الأمر الذي عاد بنتائج إيجابية للغاية، كما أقنع شركة تاندي بشراء بطاقاته الصوتية وتركيبها على حواسيب تاندي. بعدها، عاد سيم إلى سنغافورة، فلقد حقق الهدف الذي سافر من أجله وزيادة، إذ بلغت مبيعات عام 1989 قرابة 5.5 مليون دولار. في عام 1994، بلغت الأرباح الاجمالية لشركته 650 مليون دولار.


رغم أنه اليوم من مليارديرات سنغافورة، لكن قصته لم تخلو من الخسائر، فالنجاح العريض الذي حققته بطاقات الصوت جعلت المئات من المقلدين يظهرون بسرعة وبسعر أقل، ما بدأ يقلص الأرباح، ولذا قرر سيم ألا يبقى معتمدا على منتج واحد، فدخل معترك تصنيع مشغلات أقراص الليزر / الأقراص المدمجة أو CD Rom لكن دخوله هذا جاء في وقت كانت أسعار هذه المشغلات تتراجع بسرعة كبيرة نتيجة زيادة العرض عن الطلب، وهو الأمر الذي كبد الشركة 100 مليون دولار خسائر في صورة مخزون بائر ما جعل سعر سهم الشركة في البورصة الأمريكية يخسر 75% من قيمته.

 الأمر ذاته تكرر مع بطاقات العرض / الفيديو / الجرافيكس وبطاقات الموديم وكاميرات الدردشة، والسماعات الصوتية، وفي خضم كل ذلك، قرر شركاء سيم التخارج من الشركة وتركوه وحيدا في قلب العاصفة.


هذه الاخفاقات المتتالية أظهرت أن الخوف من الاعتماد على منتج واحد ليس مبررا، إذ استمر اسم ساوند بلاستر مشهورا ومحققا للمبيعات رغم محاولات المقلدين، ووجد سيم في مشغلات الموسيقى ام بي3 المحمولة المنتج الذي يمكن له تكرار تجربته الناجحة معه، وأما اليوم، فالشركة تصمم وتصنع معالجات صوتية إلكترونية تعمل على متن الهواتف النقالة واللوحيات، وتركز كذلك على صناعة اللوحيات (تابلت).

بقية القصة معروفة، فلا زالت المعامل المبدعة مبدعة، ولا زال سيم من أغنياء سنغافورة وناجحيها، كما اشتهر أكثر حين ابتكر اسما لداء أسماه عدم العودة للخلف أو No U-turn syndromeوهو كناية عن أن رجال سنغافورة حين يصرون على شيء لا يتراجعون عنه ولو تسبب لهم في خسائر.
لكن ما يهمنا في قصته هو أنه في كل عثرة وفشل وخسارة، كانت تقبع في هدوء البذور والأساسات التي بنى عليها سيم نجاحه التالي.
 كذلك يجب الإشادة بالروح العنيدة (بشكل إيجابي) لسيم، فهو في البداية كان سائرا على خطى من قبله، موظف عادي ينتظر راتبه، أو صاحب متجر ينتظر البضاعة الرائجة كي يربح منها، لكنه قرر تغيير كل ذلك، وأن يبدأ نشاطه الخاص، ويصنع منتجه الخاص، الذي يسد نقص كبير في السوق، ويجعل حياة المستخدمين أفضل وأمتع.
كم منا يسير على خطى من قبله، وكم منا يشق طريقا لم يسر عليه أحد من قبل؟

بقلم رؤوف شبابيك

ممكن أن تكون غني ولو كان معك توك توك

التوك توك هي موتوسكيل على ثلاث عجلات يجر ورائه مقعدا يكفي شخصين أو أربعة، وهو وسيلة انتقال رخيصة تنتشر في البلاد الفقيرة، ويتميز سائقوه بالجنون والتهور، وتعتبر عملية ركوبه مغامرة تدفع الجسم البشري لضخ كميات رهيبة من الادرينالين في الدماء، خاصة لمن يركبه لأول مرة ويخوض به أمواج الزحام، على أنه بعد فترة من ركوبه، يعتاد الراكب على المخاطر ويبدأ يطلب المزيد منها.




هل يمكن لسائق توك توك لم يحصل على أي قدر من التعليم الحكومي ولا يعرف سوى كلمات قلائل من الانجليزية، في كمبوديا، تلك الدولة الفقيرة، أن يحقق نجاحا ويتفوق على أقرانه من سائقي التوك توك؟ رهت أو Rhett فعلها، فهو أدرك حكمة تجارية بسيطة، مفادها أن عميل متكرر خير من عميل المرة الواحدة، وأدرك أن الثقة والصدق هما مفتاحا النجاح المالي، لا الكذب والخداع لكسب درهم حراما.

رهت (أو ’رت‘ إن شئت) قدم نفسه لمؤلف الكتاب وهو يزور كمبوديا، عارضا عليه خدماته لتوصيل المؤلف إلي أي مكان وفي أي وقت من النهار أو الليل، وأكد عليه أنه يستطيع الاتصال على / برقم هاتفه الجوال / الموبيل في أي وقت من نهار / ليل أي يوم في الأسبوع. وجهة نظر رت كانت أن بناء قاعدة من العملاء المتكررين أفضل له وأربح من الطواف على غير هدى في شوارع المدينة المزدحمة بحثا عن راكب محتمل.

في حين يجني غيره من سائقي التوك توك في كمبوديا ما متوسطه 5 دولار في اليوم، اعتاد رهت ربح حتى 50 دولار في اليوم والليلة. رهت لا يعتمد على دراجته وحسب، فهو يضع إعلانا على ظهر التوك توك لصالح مخبز شهير يدفع له سعرا ثابتا كل شهر، وحين يجلب رهت الزبائن لهذا المخبز، يحصل على عمولته.

حين يتصل عميل رهت ويطلب منه ترتيب وسيلة انتقال إلى خارج المدينة، يعرف رهت الوسيلة المناسبة سواء سيارة أو حافلة / أتوبيس، ويضمن شخصيا السائق الذي سيوصل العميل إلى حيث يشاء ويضمن مستوى خدمة راقية. ماذا يفعل رهت بماله؟ عادة أهل بلده القمار، لكنه لا يفعل ذلك، بل يدخره وينفق على عياله، خاصة وأن ابنته هي أول فرد في عائلته يصل إلى المرحلة الجامعية.

الشاهد:
  • عميل متكرر خير من عميل المرة الواحدة، ولكل قاعدة شواذها.
  • كسب المال لا يبرر بأي حال الكذب والخداع والغش تحت مسمى التسويق والترويج ولو فعل كل أهل الأرض ذلك.
  • النجاح ممكن ولو كنت سائق توك توك.


بقلم رؤوف شبابيك


قصة نجاح شركة الأم مع ولديها

بدأت القصة ه في صيف 1985 عن دون قصد من ماري الين شيتس Mary Ellen Sheets حين قرر ابناها – لحاجتهما للمال – استغلال الاجازة الدراسية الصيفية في تأسيس شركة صغيرة للنقل والشحن باستخدام سيارة شاحنة قديمة مملوكة للعائلة. اقترحت الأم على الأبناء تسمية الشركة رجلان وشاحنة أو Two Men and a Truck ورسمت لهما شعار الشركة على ورقة محارم / كلينكس، والذي لا يزال مستخدما لليوم رغم بساطته، وهم عملا في مجال نقل القمامة والحشائش بداية، ومن بعدها الأثاث والمفروشات.
ما أن انتهت الاجازة الصيفية حتى سافر الابنان من أجل دراستهما الجامعية، ثم حدث أن عادت الأم من عملها ذات يوم لتجد 12 رسالة مسجلة في ماكينة الرد الآلي على الهاتف المنزلي من عملاء يطلبون خدمات الشركة.




كانت الأم ماري تعمل في وظيفة حكومية كمحلل نظم في ولاية ميتشجن براتب فخم ومزايا إضافية أفخم.
لم تكن الأم بحاجة لجني المزيد من المال، لكنها كانت تحب خدمة الغير، ولذا قررت أن تستمر في هذه المغامرة التجارية على سبيل الهواية، ولذا حافظت على الاسم التجاري، ولأن الشاحنة التي كان يستخدمها ولديها كانت في حالة سيئة للغاية، قررت شراء شاحنة مستعمل أخرى في حالة يمكن استعمالها، ولهذا الغرض خصصت 350 دولار فقط.

هذا المبلغ بالكاد غطى شراء شاحنى ذات طول 14 قدم، وبمزيد من المال وظفت ماري رجلين آخرين لكي يكون اسم الشركة صادقا.
 غني عن البيان أن عمل ماري النهاري، وتبرعها في مساعدة المستشفيات والمرضى، كل هذا ساعدها كثيرا على إدارة العاملين والعملاء، وعلى تحليل الأرقام والنفقات.

ثم حضرت ماري محاضرة تحدثت عن أهمية التعهيد (فرانشيز) فبدأت ماري بأن عهدت إلى أختها في أطلنطا بأن تبدأ أول فرع فرانشيز في بلدها، وكان ذلك في العام التالي لبدء نشاط الشركة، وأما في نهاية العام الأول فكان صافي الربح الف دولار، ولما لم تكن ماري على علم بالمحاسبة والضرائب، تبرعت بالعائد كله لعشر جهات خيرية، حصلت كل منها على شيك بمئة دولار!

حتى اليوم، وشركة الرجلان وشاحنة تتبرع لأوجه الخير الكثيرة. هذا التبرع الخيري جعل شعار الشركة على حق بدوره: الناقلون الذين يهتمون أو Movers who care. في عام 1989 استقالت ماري من وظيفتها المريحة لتتفرغ لإدارة الشركة التي تكبر، واشترت شاحنة جديدة تماما ووظفت المزيد من العاملين.
أكثر ما تميزت به ماري هو عشقها الشديد لتقديم خدمات تفيد العملاء بدون استغلال حاجات الناس لتحقيق ربح سريع، وتقديم مساعدات للمجتمع من حولها، وهي اشتهرت بمبدأ الجدة، أو معاملة الجميع كما كانوا ليتوقعوا جدتهم لتعاملهم Grandma Rule. هذا الأمر جعل كثيرون يتحدثون عنها وعن شركتها، الأمر الذي جلب لها المزيد من الأعمال والنقليات.
 مع زيادة حجم الشركة، استعانت ماري بابنتها وابنيها، لكن بعد أن عهدت لكل منهم بإدارة فرع من فروع الشركة في موقع جديد، لإثبات الكفاءة وفهم طبيعة العمل.
عانت الشركة خلال فترة الكساد، لسبب مختلف تماما، فمع الأزمة المالية وخسران الكثير من الأمريكيين لوظائفهم مما اضطرهم للانتقال إلى حيث السكن الأرخص، الأمر الذي زاد الطلب على خدمات الشركة، وطمعا في زيادة المبيعات، بدأ فريق العمل في الشركة بشكل تلقائي في السعي الحثيث نحو زيادة البيع، بشكل جعلهم لا يقدمون خدمة جيدة ولا يهتمون بشكاوى العملاء، وفي نهاية الأمر بدأ سيل الطلبات يتراجع وبدأت سمعة الشركة تسوء، الأمر الذي تطلب وقفة سريعة لمعرفة مواطن الخطأ والخطر، ومعالجة ذلك، في خطة طويلة تعتمد على توحيد النظام المحاسبي والاعتماد على الحوسبة السحابية بشكل تام.

بنهاية أغسطس 2012 كان لدى الشركة أكثر من 4500 موظفا موزعين على 220 فرعا في 32 ولاية أمريكية، و 20 موقعا في كندا، وموقع وحيد في لندن وآخر في دبلن (ايرلندا)، بأسطول شاحنات يربو عن 1300 شاحنة نفذت أكثر من 353 ألف عملية نقل، بمبيعات قدرها 220 مليون دولار، لتكون أكبر شركة نقليات بنظام الفرانشيز في الولايات المتحدة، ويتولى الابن الأكبر منصب المدير التنفيذي للشركة خلفا لأمه منذ عام 2009، والتي لا زالت عضوة في مجلس الإدارة، وتتولى مع ابنتها إرسال بطاقات تهنئة بخط اليد للعاملين في الشركة في ذكرى ميلادهم.
الشاهد من القصة:
  • كانت ماري تعيش بدون زوجها، ليست بحاجة لإطلاق شركة ناشئة، ولم تكن تملك أي خبرة في كتابة خطط تسويق أو تصميم شعارات، لا شهادة ام بي إيه ولا شهادة دكتوارة من جامعة، بل اعتمدت على حدسها الداخلي.

  • رغم ذلك، أسست ماري في 1998 جامعتها الخاصة لتعليم الراغبين في الحصول على حق الفرانشيز على كيفية إدارة الأعمال وأوجه التعامل الصحيح مع العملاء، ولتعليم العاملين على طرق النقل الصحيح لمحتويات المنازل.

  • سر نجاح ماري كان في تركيزها على العميل، على جعله يشعر أنه عميل خاص، حصل على صفقة خاصة، وخدمة جيدة، وتعامل معه الموظفون على إنه انسان يستحق معاملة من الطراز الأول.


  • لم تمانع ماري في منح حق الفرانشيز لعاملين معها في شركتها، وأعطتهم الفرصة لإثبات الذات وللنجاح.

  • كانت تكلفة الحصول على حق الفرانشيز 32 ألف دولار، زائد 6% من العوائد الاجمالية السنوية، زائد 1% من العوائد في حال الدعاية والإعلان لهذا الفرع.


  • لأنها امرأة تعمل في مجال يسيطر عليه الرجال، لاقت ماري مضايقات كثيرة من المنافسين، لكنها تعلمت من أخطائها وحرصت على ألا تكررها، وأصبحت أكثر صلابة.

  • في حين كان العرف السائد محاسبة العملاء على أساس وزن المواد المنقولة، حاسبت ماري على أساس ساعة العمل الواحدة المقضية في النقل، وتعهدت بالتعويض عن أي تلفيات وكثيرا ما فعلت.


  • اعتمدت ماري على مراسلة العملاء ببطاقات استطلاع رأي، لتعرف نقاط الضعف والقوة وما يطلبه العملاء، الأمر الذي ساعدها كثيرا للحفاظ على نسبة عدم رضا عملاء متدنية.

  • للتسويق لنشاطها، طبعت ماري منشورات إعلانية ووزعتها على عتبات الشقق والمنازل، ورسمتها على جوانب شاحناتها.




بقلم رؤوف شبابيك