الأربعاء، 14 يناير 2015

الشاب الذي أصبح ملياردير



عندما أقرأ يوما بعد يوم تزداد قناعتي بأن النجاح في عالم التجارة قائم على بيع سلع وخدمات، وجها لوجه. قناعتي هذه زادت بعدما انتهيت من قراءة مقالة مجلة فوربس عن مايكل روبن، تاسع ملياردير عصامي أمريكي تحت سن الأربعين ينضم لقائمة المليارديرات العصاميين، رواد الأعمال، الانتربنور، الذين بدؤوا من الصفر، من لاشيء وحتى بلغ ما يملكونه أكثر من مليار دولار في أمريكا.
لم يعد ربح مليون دولار بالخبر المستحق للحديث عنه كما كان في السابق، وأصبح التوجه الحالي الحديث حول من ربح المليار وهو لم يبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين وهكذا.




صاحبنا مايكل لم يرد تغيير الدنيا للأفضل، ولم يخترع المصباح الكهربي، بل هو تاجر بالفطرة، محب للمخاطرة ويفكر في المستقبل.
من بيت والديه في ولاية فيلادلفيا كانت بدايته حين ذهب إلى معسكر تخييم للأطفال، بعدا أخذ باقة بطاقات أشهر شخصيات لعبة البيسبول الأمريكية الشهيرة، وهناك قام ببيعها للآباء الذين قاموا بزيارة أطفالهم في المعسكر واشتروا منه البطاقات بربح جيد، بعدها اتفق مع خمسة أولاد صغار كي يعملوا لديه براتب مقابل إزاحة الثلوج من طرقات زبائنه.

وعمره 12 سنة، بدأ في بيع البذور من باب لآخر في حيه، وحين رجع من معسكر للتزلج قرر افتتاح محل لدوزنة (Tune up / Tweak) معدات التزلج في بدروم بيت والديه. بعدها بفترة وجد مايكل أن بيع المعدات ذاتها أفضل من مجرد إصلاحها، ولذا دخل هذا المعترك بكل قوته.

سلك مايكل سلوكا ’شرسا‘ في التسويق والإعلان لمشاريعه، حتى أنه قام بتوزيع منشورات دعائية على السيارات الواقفة في منطقة تتبع لمنافس له في السوق، فما كان من هذا المنافس إلا واتصل هاتفيا بوالد مايكل وهدده أنه إذا لم يتوقف ابنه عن هذه النشاطات الإعلانية المستفزة في منطقته فسوف يبلغ عنه الشرطة ليقبضوا عليه.

 جادل والد مايكل هذا المنافس قائلا له: إنه طفل يبلغ 12 سنة من العمر، فماذا يمكنه أن يفعل لكي يهددك في تجارتك؟ واستمر مايكل في التسويق والإعلان حتى بلغت إجمالي المبيعات 25 ألف دولار في أول سنة له في هذه التجارة، بربح صافي شهري قدره 500 دولار في المتوسط.

ولما بلغ 14 سنة أقنع والده كي يستأجر متجرا في سوق تجاري قريب، ليتبعه باستئجار متجر آخر بعدها بسنتين، ثم بعدها توصل لصفقة مع إدارة مدرسته ليسمحوا له – ولشركائه – بالدراسة بدوام جزئي لا كلي (بارت تايم). وعمره 16 سنة حل موسم تزلج شتوي ضعيف الإقبال شحيح المبيعات، الأمر الذي ترك بصمة شديدة الوطء على تجارة مايكل – ديون قدرها 120 ألف دولار! يحكي مايكل عن هذه الفترة فيقول: لم ينتابني الخوف، ونظرت للديون على أنها خطوة أخرى عليه أن يخطوها.

 لتفادي إعلان إفلاس شركته وإغلاقها، اقترض مايكل من والده مبلغ 37 ألف دولار والذي اقترضها بدوره، ثم دفعها للمقرضين، وكان شرط والد مايكل لإقراضه هو أن يذهب مايكل للدراسة الجامعية.

كبوة صغيرة خرج منها مايكل ببعض التفكير، إذ عثر على صفقة مبيعات تزلج قيمتها 200 ألف دولار عرضها صاحبها مقابل 17 ألف دولار فقط. لكن كيف سيوفر ثمنها – خاصة وأن مدين لوالده؟ اقترض مايكل من جار مرابي، أقرضه المبلغ مقابل فائدة قدرها ألف دولار لكل أسبوع يمر قبل سداد كامل المبلغ (ولهذا ترفض الشريعة الاسلامية مبدأ الربا).
 قبل مايكل المخاطرة واشترى المعدات وباعها خلال 4 أسابيع مقابل 75 ألف دولار وسدد مبلغ الربا وكذلك سدد دينه للدائنين ولوالده. هذه الصفقة جعلته يركز أكثر على البيع بالجملة والبعد عن البيع للمشترين الفرديين.
تعلم مايكل الكثير من هذه التجربة، إذ بدأ يبحث عن معدات رياضية ذات جودة عالية وسعر متدني في الوقت ذاته، وهو بدأ بشراء المعدات الزائدة عن حاجة الآخرين بسعر متدني، ليقوم ببيعها في سلسلة من 3 محلات بيع معدات تزلج كان قد سبق له شرائها. بعد قضاء شوط دراسي واحد، قرر مايكل ترك الدراسة الجامعية للتركيز على تجارته، وفي عام 1994 قرر إطلاق علامته التجارية الخاصة في عالم الأحذية وأسماها يوكون Yukon.

في عام 1995 وبعد بلوغه سن 23 ربيعا قرر شراء حصة قدرها 40% من رايكا أو Ryka وهي شركة مساهمة تصنع أحذية نسائية كانت تمر بضائقة مالية جعلتها على شفير الافلاس، مقابل 8 مليون دولار، جزء منها نقدا والباقي ضمانات لسداد ديون على الشركة.
بهذا الشراء أصبح مايكل المدير التنفيذي لهذه الشركة، ليكون بذلك عضوا في نادي المليونيرات العصاميين بأريحية. بنهاية هذه السنة، جاء إجمالي المبيعات السنوية 50 مليون دولار بزيادة 30% عن السنة السابقة بفضل إدارة مايكل. في عام 1997 جمع مايكل جميع شركاته تحت مظلة واحدة – شركة جديدة أسماها الرياضة العالمية أو جلوبال سبورتس، مما جعل إجمالي المبيعات السنوية للعام الأول لهذه الشركة الجديدة يفوق 130 مليون دولار.


الآن لدي سؤال: لماذا لا تجد أطفالا صغارا تبدأ التجارة من سن صغيرة؟ من يتابعني سيعرف رفضي لحجة أمريكا بلد المعجزات، أو أن الغرب يوزع النجاح في زجاجات بنكهة النعناع المنعش، أو أن القروض الربوية هي سبب نجاحهم ولأن الاسلام حرمها فالمسلمون معذورن في عدم نجاحهم تجاريا وصناعيا وعلميا.

مقدار المجهود اللازم للنجاح في الشرق أو الغرب متساو، ومن كان لديه مقومات النجاح لترك الشرق إلى الغرب لكي ينجح، ولأفلح في تحقيق ذلك ولو على خطوات. هذا يفسر لك سبب نجاح 1% فقط من المشاريع الناشئة في الغرب.



وأما المرحلة التالية فمرحلة التكبير والتوسع، والتي بدأت حين سمع مايكل عن شيء جديد اسمه البيع عبر انترنت أو التجارة الالكترونية والتي كانت بمثابة الصرعة وقتها.

حين استشار من يثق فيهم، كان الرد من الجميع بأن البيع عبر انترنت هو المستقبل ويجب دخوله بكل قوة وبسرعة، خاصة مع صدور توقعات بأن حجم هذه التجارة في عام 1998 كان 13 مليار دولار، مع توقع بلوغها 3 تريليون دولار بعد مرور خمس سنوات.
رغم كل هذا المديح، لكن أحدا لم يعرف في ذلك الوقت المبكر ما هي آليات وطرق تقديم خدمات التجارة الإلكترونية والبيع عبر انترنت وطرق الدفع الممكنة وإدارة المخزون والتسليم وغير ذلك.
رغم هذا الفراغ المعرفي، أدرك مايكل أن من سيسد هذا الفراغ سيكون سيد هذا السوق الجديد وبالتالي يحصد أكبر قدر ممكن من وفير أرباحه، ولهذا وظف فريق خاص ضم أفضل العقول العاملة في هذا المجال، وبدأ بشركته فجعلها توفر البيع عبر انترنت، ولأنه دائما يفضل البيع لقطاع الأعمال، بدأ يقدم خدمة البيع عبر انترنت لأشهر الأسماء التجارية في عالم صناعة الرياضة، مقابل نسبة كبيرة من الأرباح.


على أنه وبعدما حصل على موافقة 5 من الشركات الرياضية الكبري، وجد أن عليه إنشاء شركة خاصة لهذا الهدف (تصميم متاجر إلكترونية كاملة لبيع بضائع رياضية)، هذه الشركة احتاجت لأصول ولعقول وأموال، الأمر الذي تطلب ميزانية ضخمة لم تتمكن مجموعة شركاته من تحملها، ولهذا بدأ مايكل في جولة جديدة لجمع المال من مستثمرين مهتمين لتأسيس الشركة الجديدة.


من النصائح المفيدة التي يشاركنها بها مايكل، هو أنه أخطأ حين اعتمد على شركات خارجية في تسيير أعمال التجارة الإلكترونية، فهؤلاء لم يكونوا على قدر المسؤولية، ولذا بدأ مايكل في شراء مخازن كبيرة، في عدة ولايات، وبدأ يخزن فيها بضائع شركاته لبيعها وبسرعة عند ورود أمر الشراء عبر انترنت.

 النصيحة الأخرى، حين كان مايكل يقدم المزيد من خدماته للعملاء، مثل إمكانية التخزين في مخازنه، كان يضيف نسبة إلى الربح من البيع، حتى بلغت نسبة ربحه 92.5% من سعر بيع الوحدة من منتجات العملاء، بدلا من أن يطلب مبلغا محددا من المال.
مع تزايد جعلت مايكل يركز أكثر على تقديم خدمات البيع الإلكتروني لكبار الشركات، وبدأ يستهدف شركات أخرى غير الرياضية، مثل شبكات التلفزة التي بدأت تعلن عن منتجات للبيع على شاشاتها مباشرة.

كل هذا التوسع أجبر الشركة على تغيير اسمها إلى جي اس آي كومرس في عام 2002 للتأكيد على أنها تقدم خدماتها التجارية للجميع.
على أن انفجار فقاعة انترنت في مطلع القرن الماضي لم يمهل مايكل، الذي كشف عن ذكاء استثماري جديد في خضم هذه الأزمة، إذ أخذ يشتري منافسين له من مواقع وشركات في أوضاع اقتصادية صعبة بأسعار مواتية، وأخذ يركز على الانتشار والتوسع أكثر من الربح الصافي (لكن مع نجاحه في الوقت ذاته في توفير تدفقات نقدية صحية ضمنت بقاء شركاته واستمرارها)، الأمر الذي كبده أكثر من 155 مليون دولار في صورة خسائر مجمعة، وتطلب الأمر منه 5 سنوات حتى بدأت شركته الجديدة لخدمات البيع الإلكتروني تغطي مصاريفها في عام 2004 بعوائد سنوية بلغت 335 مليون دولار.

 سياسة الاستحواذ هذه آتت ثمارها بسرعة، إذ جاءت العوائد الصافية في عام 2006 مكونة من 8 أرقام (كناية عن مدى من 10 إلى 99 مليون )
هذه الأرقام الضخمة، والحجم الكبير، جذبت انتباه إي باي eBay التي أرادت عقد صفقة واحدة مع لاعب واحد، يحمل معه شركاء كبار، مثل عقود بيع مع سلسلة محلات تويز آر اس و تيمبرلاند و كالفين كلاين و رالف لورين وغيرهم الكثير.
 ولذا، في عام 2011 الماضي، اشترت إي باي مجموعة شركات مايكل، مقابل 2.4 مليار دولار، حصل منها مايكل على 150 مليون دولار نقدا، بالإضافة إلى احتفاظه بثلاث من شركاته، قيمت بسعر نصف مليار دولار.
 مرة أخرى، جمع مايكل هذه الشركات الثلاثة تحت مظلة واحدة، شركة أسماهاKynetic . هذه الشركة حققت فيما بعد أرباح وفيرة، جعلت تقييم ثروة مايكل يتخطى المليار دولار، وأعلنت عن دخوله لهذا النادي وبأريحية، قبل أن يبلغ الأربعين.
أهم نقطة في هذه القصة كلها، هي مقولة مايكل حيث أكد على أنه لو كان ليغير شيئا سبق وفعله، فسيكون إضاعته الوقت في البيع للعملاء الفرديين وعدم البيع للشركات الكبيرة. هذه النصيحة تصنع شركات عملاقة، بينما عكسها يصنع محلا كبيرا، لا غير. لا يعني هذا التقليل من شأن هذا أو ذاك، بل مجرد إلقاء المزيد على الضوء على ما الذي يؤدي لهذا وما الذي يؤدي إلى ذاك.



بقلم رؤوف شبابيك

هناك 7 تعليقات: